必須強調的是,作家兼部長 Muhammad al-Saffar 在 1845 年的旅程,是第一次記錄現代西方國家狀況的旅程,因為它屬於認同與發現他者的層次,並試圖透過轉移他所著迷的一些優越機制與元素,準確地描述它們,並將它們呈現在十九世紀工業與文化穩步發展的法國的詳盡畫面中。
那麼,Al-Saffar 旅程的歷史框架是什麼?
I- Al-Saffar 的法國之旅
1- Al-Saffar 法國之旅的歷史背景 (1845-1846)
伊利公爵托馬斯·羅伯特·布若(Thomas Robert Bugeaud, marquis de la Piconnerie, duc d'Isly)(1784年10月15日-1849年6月10日)是法國殖民時期 的法國元帥和阿爾及利亞總督。
1830年對阿爾及利亞的佔領,是該國從未見過的真正改變。然而,必須注意的是,法國的入侵在某種程度上反映了摩洛哥的感受,當摩洛哥看到一個基督教國家與它相鄰,邊界橫跨平原和沙漠,允許摩洛哥所有的空間。 由於蘇丹Moulay Abd al-Rahman(1822-1859)基於宗教與鄰邦關係,有義務支持Abd al-Qadir al-Jazairy王子抵抗法國,向他提供物資與武器,以抵抗基督教的威脅,
法國因此找到藉口,讓軍隊在摩洛哥海岸附近登陸,尤其是Abd al-Qadir al-Jazairy王子未經蘇丹允許,在摩洛哥東部部落避難,導致法軍為追捕Abd al-Qadir王子而侵入摩洛哥領土,造成摩洛哥與法國關係的危機。 因此,1844年8月14日是摩洛哥與法國第一次對峙的日子,也就是在伊斯里河谷(Isli Valley)上的伊斯里戰役(Battle of Isli),由穆罕默德‧本‧阿卜杜勒‧拉赫曼王子(Prince Mohammed bin Abdul Rahman)率領的摩洛哥軍隊與法國軍隊之間發生了激烈的戰鬥,戰鬥只持續了幾個小時,直到摩洛哥被皮古元帥(Marshal Pigou)率領的法國軍隊擊敗。 有了這場勝利,法國對摩洛哥展開了侵略政策。但我們要注意的是,這次戰敗對摩洛哥軍隊是一個真正的震撼,暴露了其弱點,急需真正的改革,使其有能力面對歐洲的滲透。 1844年簽訂的《Tangier丹吉爾協議》和1845年3月簽訂的《拉拉-馬格尼亞條約》增強了法國取得的成功,而蘇丹為此付出的代價卻非常高昂。
邊界條約締結後,,法國和摩洛哥之間 [檔案],M. de Clercq,《法國條約集》,卷。 5:1843-1849,巴黎,阿米約特,,p。 271-275
*****
不爭的事實是,Al-Saffar 的法國之行是為了發現這個他者及其優越性的秘密,鑒於這些事件,Abdelkader Achashash 的使團於 1845 年與 Mohammed Al-Saffar 一起前往法國,Al-Saffar 記下了他在法國之行中所看到的一切。
同樣重要的是,第一次派遣摩洛哥大使館的想法,是在《Lalla Mugnia條約》的談判期間提出的,目的是引入新形勢所需的改變,這讓我們可以說,這個提案即使不是強加的,也是從外部發出的、 這項提案最初受到 Makhzeni 圈子的保留,但隨著時間的推移,副蘇丹 Bousselham bin Ali Aztout 表現出與法國談判的意向,並接受派遣使節到她的國家,因此,這種感覺鼓勵法國精英支持大使館計劃,因為其目標是服務於對阿爾及利亞的運動,並推薦它,因為摩洛哥大使到達法國家園,將向法國輿論展示,對阿爾及利亞的長期戰爭已被延長,並已達到高昂的代價。
在 Leon Roche 的努力下,Abdul Rahman bin Hisham 蘇丹被說服向法國派遣一名特使。Abdelkader Achache,Tetouan 的總督,被選中的原因是他符合 Léon Roches 所要求的品質,他是一個有權力和財富的人,願意資助這個使館的費用,這種情況顯示,這個選擇不是受制於外交能力和談判能力的條件,更多的是受制於財政上的誘因,以減輕這個使館對摩洛哥財政的預算。
他是阿布-阿卜杜拉-穆罕默德-伊本-阿卜杜拉-萨法尔(Abu Abdullah Muhammad ibn Abdullah al-Saffar),原籍安达卢西亚,出生于泰图安市,出身于安达卢西亚哈恩市一个物质贫乏、知识丰富的家庭。 还需要指出的是,萨法尔家族是随着十五世纪末为躲避西班牙再征服战争而迁徙到北非的安达卢西亚人来到泰图安市,与其他安达卢西亚穆斯林汇合的。 这个家族与其他家族一起,在重建泰图安城的过程中发挥了作用。在泰图安城,从安达卢西亚继承的高尚生活方式与以严酷著称的乡村生活方式相结合,城市品味占主导地位,其中包括用于学习正宗逊尼派宗教科学的清真寺、 除了扎维耶教派和苏菲教派所创造的虔诚习俗外,这些矛盾和城市所带来的不同生活方面也对萨法尔的一生产生了影响。 值得说明的是,萨法尔在泰图安城跟随当时的长老开始了他的启蒙教育,之后他来到非斯城,在 Al-Qarawiyyin 大学攻读理科,并在那里待了 8 年,师从著名学者阿卜杜勒-拉赫曼-胡杰拉提学习法学、圣训、语法和起源。 1252/1836 年回到泰图安后,他被称为法齐赫(al-Faqih),这标志着他精通法理学和其他法律科学,并获得了一个有资格跻身精英行列的职位, 因此他在泰图安城担任公证人,这使他受到公众的赞赏和尊敬、 除了在宗教案件中提供法特瓦(fatwas),有时还代理该市法官做出裁决,除了司法职责外,他还被指派在泰图安清真寺教书,教授法理学和圣训。 我们想提请注意的是,在泰图安工人穆罕默德-阿查沙和他的儿子阿卜杜勒-卡德尔-阿查沙去世后,萨法尔的稳定生活可能就此结束,因为在阿卜杜勒-拉赫曼毛拉统治时期,他曾担任泰图安工人哈吉-阿卜杜勒-卡德尔-阿查沙的顾问,处理所有纯法律性质的问题。苏丹命令工人阿卜杜勒卡迪尔-阿查沙准备前往法国时,要求他陪同一位学者评估宗教事务,包括祈祷和阅读,于是工人选择了他的顾问穆罕默德-萨法尔, 萨法尔在法国逗留期间表现出了极大的好奇心,他受到了法国上层人士的钦佩和关注,并在他的文件中详细记录了许多事情。
阿尔-萨法尔重点介绍了法国最重要的政治机构及其权限,谈到了法律的制定和新闻媒体在了解所有政治事务方面的作用,并强调了组织方面在法国人成功管理内部或外部政治事务中的作用。他首先提到了法国的行政区划,即公国和行省制度: “......他们在法国全国有五六个军团,每个军团都有一个大城市和小城镇的补充,每个军团有两个总督,其中一个是军事总督,他的视野仅限于他自己,第二个是军事以外的臣民总督,他就像我们国家的领导人,前者的级别高于后者。他们的政府有继承人,如马赛政府及其在土伦市的工人,其政府隶属于马赛政府及其在 X 市的工人"。
- Beyadh, El Tayeb, The Makhzen, Taxation and Colonisation, Taxation of the Order, 1880-1915, Africa East.
- Al-Khatabi, Mohamed Larbi, The observations of a Moroccan diplomat in France in 1845-1846 during the reign of Moulay Abdel Rahman bin Hisham, Part I. Jazoulet, Khalil.
- Millar, Suzanne, Sada'a Al-Saffar's Journey to France 1845-1846, Arabic for study and co-investigation: Jalad Ibn Saghir,摩洛哥王国,穆罕默德五世大学,艺术与人文学院,拉巴特,译文与作品系列第 2 号。
法文:
-Al adnani, jilali, A pourcet.
@@@@
مجلة التاريخ
2013年6月4日 ·
رحلة الصفار إلى فرنسا:
تقديم عام :
تعد الرحلة جنس أدبي مألوف ومتجدر في المنطق الإسلامي. حيث تندرج الرحلة التي نحن بصدد الاشتغال عليها ضمن علاقة الأنا بالأجنبي . فقد شكل أدب الرحلة المتجهة نحو الغرب إرهاصا لظهور الأدب المقارن , نظرا لأن المقارنة تسكن كل رحالة حين يقارن بين معالم حضارته ومعالم حضارة الآخر. فرغم سياسة العزلة والانغلاق على الذات التي اتخذها المغرب في القرن التاسع عشر وإسدال حجاب كثيف بينه وبين ما يجري في الخارج, إلا أن اللقاءات الدبلوماسية لم تنقطع بينه وبين الغرب فكانت السفارات تتبادل وكان هؤلاء السفراء أو كتابهم يدونون مشاهداتهم في الغرب وانطباعاتهم عنه ومظاهر الحياة الحضارية هناك . ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الرحلة تعد مخزونا تاريخيا لمظاهر الحياة الغربية , ومرجعا نتبين من خلاله نظرة المغاربة إلى ذلك العالم وما أفرزه من نهضة مادية لذلك تكتسي الرحلات قيمة تاريخية وجمالية في نفس الوقت, حيث تجعل المتلقي يعيش في المكان الموصوف لحظة بلحظة . إن ما يجب التأكيد عليه أن رحلة الكاتب الوزير محمد الصفار سنة 1845 تعد أول رحلة سجلت أحوال البلاد الغربية في العصر الح ديث إذ تدخل ضمن مستويات التعرف على الآخر واكتشافه، ومحاولة امتلاك آليات ومقومات التفوق عنده من خلال نقل بعض تمظهراته التي انبهر بها ووصفها وصفا دقيقا وقدمها في صورة مفصلة عن فرنسا الأخذة في التطور المطرد صناعيا وثقافيا خلال القرن التاسع عشر .
فما هو إذن الاطار التاريخي لرحلة الصفار ؟
I- رحلة الصفار إلى فرنسا
1- السياق التاريخي لرحلة الصفار التطواني إلى الديار الفرنسية ( 1845- 1846)
شكل احتلال الجزائر سنة 1830 انقلابا حقيقيا لم تشهد البلاد مثله من قبل. لكن الذي يجب أن ننبه إليه أن التوغل الفرنسي عبر بشكل أو بأخر عن الشعور الذي انتاب المغرب وهو يرى دولة مسيحية أصبحت تجاوره على طول حدود ممتدة على أرض سهلية وأخرى صحراوية بكل ما تسمح به من فسح للمجال المغربي. ولما كان السلطان مولاي عبد الرحمن 1822-1859 ملزما بحكم علاقات الدين والجوار بدعم الأمير عبد القادر الجزائري في مقاومته للفرنسيين بمده بالزاد والسلاح من أجل الوقوف في وجه التهديد المسيحي فقد وجدت فرنسا في ذلك ذريعة لإنزال قواتها قرب الشواطئ المغربية و خاصة مع احتماء الأمير عبد القادر الجزائري بالقبائل الشرقية المغربية دون إذن السلطان الشيء الذي نتج عنه توغل القوات الفرنسية بالأراضي المغربية مطاردة الأمير عبد القادر مما أدى إلى أزمة في العلاقات المغربية الفرنسية. وبالتالي شكل يوم 14 غشت 1844 تاريخ وقوع أول مواجهة بين المغرب وفرنسا وهي معركة إيسلي على وادي اسلي حيث دارت معارك طاحنة بين القوات المغربية بقيادة الأمير محمد بن عبد الرحمان وبين الجيش الفرنسي لم تستغرق المعركة سوى ساعات قليلة حتى انهزم المغرب أمام الجيوش الفرنسية بزعامة الماريشال بيجو . وبهذا الانتصار دشنت فرنسا سياستها العدوانية ضد المغرب. لكن ما نود شد الانتباه إليه أن الهزيمة قد شكلت صدمة حقيقية للجيش المغربي وكشفت عن مكامن هشاشته و حاجته الملحة إلى إصلاح حقيقي يجعله قادرا على مواجهة التغلغل الأوربي وأدى ابرام اتفاقية طنجة 1844 ومعاهدة لالة مغنية في شهر مارس 1845 إلى تعزيز النجاح الذي حققه الفرنسيون في حين كان الثمن الذي أداه السلطان مقابل ذلك غاليا .
فالحقيقة التي لا غبار عليها أن رحلة الصفار إلى فرنسا جاءت لاكتشاف هذا الأخر وسر تفوقه, وفي ظل هده الأحداث اتجهت سفارة عبد القادر أشعاش إلى فرنسا رفقة محمد الصفار سنة1845 دون الصفار كل ما شاهده خلال رحلته .
كما أنه من الأهمية بمكان أن ننبه إلى أن فكرة توجيه سفارة مغربية للمرة الأولى أثير أثناء المفاوضات التي كانت جارية حول معاهدة لالة مغنية بهدف ادخال التغييرات التي يتطلبها الوضع الجديد وهذا ما يدفعنا للقول أن هذا الاقتراح صدر من الخارج إن لم نقل كان مفروضا, فرضته شروط المنتصر وقد لقي هذا الاقتراح في البداية تحفظا من لدن الأوساط المخزنية لكن مع مرور الوقت أبدى نائب السلطان بوسلهام بن علي أزطوط نيته في التفاوض مع فرنسا وقبول إرسال مبعوث إلى بلدها, فشجع هذا الإحساس, النخبة الفرنسية في دعمها لمشروع السفارة لما فيه من أهداف تخدم حملتها على الجزائر وتزكيتها, كونها فحلول سفير مغربي للديار الفرنسية سيقدم للرأي العام الفرنسي أن الحرب على الجزائر الطويلة الأمد والبالغة الخسائر قد تم بلوغها .
اقتنع السلطان عبد الرحمان بن هشام بتوجيه مبعوث عنه إلى فرنسا بفضل مجهودات ليون روش. ثم وقع الاختيار على عبد القادر أشعاش عامل تطوان لكونه تجتمع فيه الصفات التي طلبها ليون روش باعتباره من ذوي الجاه والثروة مستعد لتمويل نفقات هذه السفارة وهذا موقف بالغ الدلالة على أن الاختيار لم يخضع لشروط الكفاءة الدبلوماسية والقدرة على التفاوض أكثر من خضوعه إلى وازع مادي يخفف على المخزن المغربي ميزانية هذه السفارة .
اجتمع أعضاء السفارة في صبيحة يوم 13 دجنبر 1845 وبصعود المغاربة على متن الميتور أمر القائد ملاحيه بالإقلاع . ومن ضمن المسافرين على متن الميتور صهر أشعاش ومحمد اللبادي وصهره الاخر الحاج العربي العطار والفقيه الصفار الذي كان يبلغ من العمر حوالي خمسة وثلاثين سنة إلى جانب شخص أخر مسئول عن عن تدبير أمور السفير وقضاء حاجاته وهو أحمد العياط يوجز الصفار هدف الرحلة في كونها تمت » لمصلحة تعود على المسلمين والاسلام « والظاهر أن مهمة الوفد الدبلوماسية ظلت سرا يخص الدولة لوحدها إذ كان من واجبهم المحافظة عليها وكتمانها إلا أن أهمية رحلة الصفار تكمن في نسجها لأبعاد معرفية وحضارية عن عالم الآخر, فهي صورة كاملة عن البعد العسكري والسياسي والعمراني والاجتماعي والثقافي للمجتمع الفرنسي كنموذج للمجتمعات الأوربية .
2- مؤلف الرحلة محمد الصفار:
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بالصفار أندلسي الأصل ولد بتطوان من أسرة متواضعة من الناحية المادية, وغنية فكريا تنحدر من مدينة جايين الأندلسية, كما أنه من الأهمية بمكان أن ننبه إلى أن أسرة الصفار قد حلت بمدينة تطوان مع الجموع الأندلسية التي هاجرت إلى شمال افريقيا هروبا من حروب الاسترداد الاسبانية عند نهاية القرن الخامس عشر للالتحاق ببقية المسلمين الأندلسيين. وقد كان لهذه العائلة إلى جانب عائلات أخرى دور في إعادة بناء مدينة تطوان التي اجتمع فيها أسلوب العيش الرفيع الموروث عن الأندلس، مع أساليب الحياة الريفية, المعروفة بمظاهرها الشديدة القساوة, وكذا سيادة الأذواق الحضرية الراقية من مساجد لتدرس علوم الدين السنية الأصيلة, وإلى جانب الممارسات التعبدية التي أحدثتها الزاويا والطرق الصوفية فإن هذه التناقضات ومظاهر الحياة المختلفة التي تجمع بينها المدينة كان لها تأثير على حياة الصفار, والجدير بالتوضيح أن الصفار بدأ تعليمه الأولي في مدينة تطوان على يد شيوخ عصره بعد ذلك انتقل إلى مدينة فاس لقراءة العلوم بجامع القرويين حيث مكث هناك 8 سنوات لدراسة الفقه والحديث والنحو والأصول على يد العالم الشهير عبد الرحمن الحجرتي. وبعودته إلى تطوان سنة 1252/1836 أصبح يلقب بالفقيه دليلا على إحاطته بالفقه وما إليه من العلوم الشرعية , وتمكن بذلك من الحصول على منصب يؤهله لأن يكون ضمن صفوف النخبة, فاشتغل بمهنة العدول بمدينة تطوان مما جعله يحظى بتقدير واحترام عامة الناس, إضافة إلى كونه يقدم الفتاوى في القضايا الدينية وينوب أحيانا عن قاض المدينة في اتخاذ القرارات، وإلى جانب مهامه العدلية أسندت له أيضا مهمة التدريس بمسجد تطوان، درس الفقه و الحديث ، إن ما نود شد الانتباه إليه أن حياة الاستقرار التي كان ينعم بها الصفار ربما عرفت نهايتها بعد مصاحبته عامل تطوان محمد أشعاش وملازمته لابنه عبد القادر أشعاش بعد وفاته حيث عمل مستشارا لدى عامل تطوان الحاج عبد القادر أشعاش في عهد المولى عبد الرحمن في كل القضايا ذات الصبغة الشرعية الصرفة . ولما أمر السلطان العامل عبد القادر أشعاش بالاستعداد لرحلته إلى فرنسا طلب منه اصطحاب عالم يقيم أمور الدين, من صلاة وقراءة فوقع اختيار العامل على مستشاره محمد الصفار الذي أبان عن فضول كبير أثناء وجوده بفرنسا حيث لقي إعجابا واهتماما من قبل النخبة الفرنسية فسجل أمورا كثير في أوراقه تسجيلا مفصلا .
II- الآخر الأوربي من خلال مشاهدات دبلوماسي مغربي (الصفار) 1845-1846:
إن محاولة استكشاف الأبعاد المعرفية والحضارية لما شاهده الرحالة المغاربة أثناء سفرهم من الأمور المهمة في إطار تكوين صورة عن ذلك العالم المبهم الذي سافروا إليه. هذا العالم الذي أصبح يهدد هويتهم الحضارية في عقر دارهم .
وقد قدم الصفار أثناء رحلته إلى فرنسا صورة لكل الأشياء في مختلف جوانب الحياة الأوربية بتفصيلاتها، وانصب اهتمامه على وصف أهم المنجزات التقنية والمعالم العمرانية، حيث رصد النشاط السياسي، والاقتصادي ودور الدولة في ذلك من خلال الاهتمام بالمؤسسات السياسية والتنظيمات التكنولوجية، إلى جانب الاهتمام بالميدان العلمي باعتباره الوسيلة الأساسية للتغيرات الاقتصادية، والتكنولوجية التي وصلت إليها الحداثة الأوربية. كما لم يغفل الصفار الحديث عن عادات وتقاليد المجتمع الفرنسي، وقد ركز على الجانب العسكري باعتباره سر تفوق الآخر وانتصاره أثناء اصطدامه مع المغرب في معركة إيسلي. كما اهتم بالحيثيات التي كانت وراء ما وصل إليه الآخر من تطور وازدهار وإبراز حسرته على مكانة الأنا.
1- البعد الجغرافي:
يعد البعد الجغرافي ذا أهمية قصوى في الرحلات العربية لما فيه من وصف دقيق للطرق التي يسلكها الرحالة ويكتشفها ويحدد معالمها برا وبحرا.
ويعتبر البعد الجغرافي من الجوانب التي أولاها الصفار اهتماما فأول ما بدأ به أثناء رحلته وصف معالم الطريق و تحديد وجهة الرحلة التي انطلقت من تطوان في اتجاه مرسيليا بقوله: » وكانت وجهتنا لمدينة مرسيليا التي هي على ساحل البحر من جهته الشمالية « .
2- البعد العمراني المدني :
انتقل الصفار للحديث عن المدن التي مر بها الركب من مرسيليا إلى باريز. معبرا عن إعجابه بالمستوى المتطور الذي وصلت إليه المدينة الفرنسية نظرا لأنها شيدت بطريقة منظمة مختلفة عن طبيعة المدينة الإسلامية المغربية، وقد كانت مشاهداته في ذلك حافزا له على أن يصدر بإنصاف حكما عاما على مظاهر العمران في فرنسا وطابع مدنها وقراها قائلا :
» وقد رأينا في طريقنا هذه ما يشهده شهادة حق لأهل هذه البلاد بالاعتناء التام والتبصر العام بأمور دنياهم وإصلاح معاشهم وإتقان تدبيرهم، فهم جادون كل الجد في عمارة الأرض بالبناء « . وانطلاقا من الوصف الذي قدمه الصفار يبدو ظاهريا الفرق واضحا بين المدينة الفرنسية والمغربية المسورة والتي لا يدخلها المرء إلا في النهار عكس المدينة الفرنسية التي تظل مفتوحة طيلة النهار .
كما أنه من الأهمية بمكان أن نشير إلى المدينة الفرنسية التي أثارت إعجاب الصفار وهي مدينة باريس التي انبهر بشوارعها وجمال عمرانها، وفي إطار وصفه لهذه المدينة أقام مقارنة بين الكيفية التي بنيت بها منازل باريز والكيفية التي بنيت بها نظيرتها في المدن المغربية وفي هذا الإطار لابأس أن نقدم مثالا على ذلك » وأما أشكال دورهم فإنها مخالفة لشكلنا، فإن دورهم ليس بالساحة والفوقي والسفلي والبيوت والغرف كما عندنا فإنهم يتركون ساحة الدار خارجة عنها مرفقا لها للوقوف نحو الكراريس والدواب... « .
نخلص من خلال المقارنة التي قام بها الصفار مدى اهتمام الفرنسيين بالجانب العمراني بالعمل على تحسين معالمه سواء كان متعلقا بالعمران الخاص كالدور أو بالأماكن العامة كالشوارع والمرافق العمومية والمنتزهات التي اهتم بوصفها أثناء زيارته لأحد الحدائق الفرنسية ويتعلق الأمر بحديقة التجارب الباريزية التي أسست سنة 1626 قصد تمكين العلماء و الباحثين من إنجاز تجاربهم على أصناف النباتات والحيوانات، إلى جانب أنها تظل مفتوحة في وجه العامة للزيارة .
3- البعد السياسي و العسكري:
أ- الجانب السياسي:
اهتم الصفار بأهم المؤسسات السياسية الفرنسية واختصاصاتها متحدثا عن تشريع القوانين ودور الصحافة في معرفة كل الأمور السياسية وإبراز دور الجانب التنظيمي في نجاح الفرنسيين في تدبير شؤونهم السياسية داخليا أو خارجيا. حيث أشار أولا إلى التقسيم الإداري الفرنسي وهو نظام الإيالات والأقاليم وقد أشار في هذا الصدد قائلا: »...عندهم في جميع بلاد فرانسا خمس أو ست وثمانون إيالة، كل إيالة فيها مدينة كبيرة وما يضاف إليها من عمالتها من البلدان الصغار، ولكل إيالة حاكمان أحدهما حاكم العسكر ونظره مقصور عليه، والثاني حاكم الرعية غير العسكر وهو بمنزله قائد البلد عندنا، ومرتبة الأول عندهم أعلا من الثاني. ومقرهما يكون في بلد الإيالة التي هي حاكمة على غيرها، ولهما خلائف في حكومتهما، فمن حكومة مرسيليا وعمالتها مدينة طولون فحكومتها من تحت حكومة مرسيليا ومن عمالتها مدينة إكس« .
كما أشار الصفار في هذا الصدد إلى تميز نظام الحكم في فرنسا بكونه يخضع للقوانين ومبدأ توزيع السلط وتحديد المسؤوليات والاختصاصات، عكس نظام الحكم في المغرب حيث تتركز كل السلط في يد السلطان، باعتباره حجر الزاوية الذي يجمع بين الأمور الدينية والدنيوية، معتمدا على جهازه المخزني في جمع الجبايات وتطويع القبائل الثائرة، لكن من الأمور التي لا يتسرب لها أدنى شك أن هذا الجهاز كان يفتقد لسياسة التدبير باعتباره كان يفرض سلطته على كل أرجاء البلاد، عكس النموذج الفرنسي الذي كان ينبني على هياكل ومؤسسات تنظيمية كالبرلمان الذي أمعن الصفار في وصف شكله وكيفية اشتغاله ووظائفه إذ قال في هذا الشأن» دار يجتمعون فيها لتدبير قوانينهم والكلام في أمورهم. وبناء موضع الاجتماع عبارة عن قبة على شكل التياترو، في أرضه انحداره كله مصفف بالكراسي، وفائدة الانحدار ليروا كلهم من يكون أمامهم. وعند انتهاء الكراسي مرقاة على شكل المنبر، إلا أن درجها من جانبها فمن يريد التكلم يصعد تلك المرقاة حتى يكون مشرفا على الجالسين، ويتكلم بما يريد أن يتكلم به و كل واحد من الجالسين أمامه الدواة والقلم والكاغد... «.
وتتم أمور السياسة عند الفرنسيين حسب ما ذكره الصفار بالتشاور فيما بينهم حيث لا يستقل فرد من أفرادهم بقانون ما كبيرا كان أو صغيرا، وكان الملك عندهم يخضع بدوره لهذه الشروط ولو أنه يحظى بعدة صلاحيات باعتباره الآمر والناهي، لكن ذلك لا يعني أنه ينفذ أمرا متى شاء، بل يقوم بالتشاور مع أعضاء البرلمان ومجلس النبلاء ، كما أن الصفار أبان عن دور الصحافة والصحف في تمكين السكان الفرنسيين من متابعة الأخبار التي تهم بلادهم وحتى البلدان الأخرى. وقد جاء في هذا الشأن قوله » ولأهل باريز كغيرهم من سائر الفرنسيين بل وسائر الروم، تشوق لما يتجدد من الأخبار ويحدث من الوقائع في سائر الأقطار، فاتخذوا لذلك الكوازيط، وهي ورقات يكتب فيها كل ما وصل إليهم علمه من الحوادث والوقائع أو غيره في بلدهم أو غيرها من البلدان النائية أو القريبة « .
وهكذا لا يخفى أن حسن التدبير المحكم وعلاقات الفرنسيين في إطار حكم القانون لا حكم الأشخاص، انعكس إيجابا على مجالات أخرى خصوصا منها المجال الاقتصادي بالدرجة الأولى الذي ساهم في تطور جميع مرافق الحياة الفرنسية وجعلها من أبرز البلدان الغربية المتقدمة .
ب- الجانب العسكري:
كانت الأوضاع السياسية والعسكرية الهشة التي كان يعانيها المغرب من الأسباب التي جعلت الرحالة المغاربة يهتمون بهذا الجانب اهتماما خاصا، وغني عن البيان أن ضعف التنظيمات العسكرية والاقتصار على الأساليب القديمة والعتاد التقليدي حثهم على وصف التنظيمات الحديثة والمتطورة للجيش الأوربي، ووصف الأسلحة الحديثة وصفا دقيقا كما دفعهم الإحساس بالنقص في هذا الجانب إلى التعرف على أكبر قدر ممكن من المعلومات الحربية لتوظيفها في الجهاد ضد العدو. وكان من جملة ما اهتم به محمد الصفار قبل التحاقه بالعاصمة الفرنسية الإطلاع على الأجهزة العسكرية البحرية لمدينة طولون ووصف تجهيزاتها وتحصيناتها العسكرية المنظمة تنظيما حديثا ومتقدما. ويظهر من خلال وصفه أنه كان منبهرا أشد الانبهار بما وصله الغرب من تقدم في المجال العسكري والتنظيم والانضباط. و من الأمور التي لا يتسرب لها أدنى شك أن هذا الإحساس جاء نتيجة للهزيمة التي مني بها المغرب سنة 1844 في معركة إيسلي ورغم هذا الشعور بالهزيمة والإحساس بالتفوق العسكري عند الآخر إلا أن الصفار حرص حرصا بالغا على تسجيل كل ما شاهده في هذا الميدان محاولا فهمه والتحقق منه رغبة في الاستفادة والمعرفة . ونورد صورة شديدة الدلالة في هذا الإطار حيث يقول الصفار» ومضوا وتركوا قلوبنا تشتعل نارا، لما رأينا من قوتهم وضبطهم وحزمهم وحسن ترتيبهم، ووضعهم كل شيء في محله، مع ضعف الإسلام وانحلال قوة واختلال أمر أهله. فما أحزمهم وما أشد استعدادهم، وما أتقن أمورهم وأضبط قوانينهم. وما أقدرهم على الحروب وما أقواهم على عدوهم، لا بقلوب ولا بشجاعة ولا بغيرة دين، إنما ذلك بنظامهم العجيب وضبطهم الغريب، واتباع قوانينهم التي عندهم لا تنخرم « .
4- البعد الاقتصادي:
أفرد الصفار صفحات عدة فيما يخص المقارنة بين اقتصاد الأنا واقتصاد الآخر، وذلك قصد فهم التجاوز الحاصل بينهما فيما يتعلق بالتنظيمات و المؤسسات الاقتصادية، ودور الدولة في الحياة الاقتصادية، وكذا دور التنظيم والتدبير المحكم والسليم لشؤون الرعية التي حققتها المجتمعات الغربية الحديثة في إنعاش الاقتصاد فانعكس هذا التنظيم إيجابا. لقد حدد الصفار أسعار السلع الموجودة في الأسواق تحديدا دقيقا كما تعرض لأحوال الأبناك والبورصة وشركات الـتأمين وبحث في ميزانية الدولة وكيفية توزيع الأموال على الوزارات، كما سجل راتب كل وزارة وعدد الأموال التي تنفقها كل شهر بدقة متناهية، ولاحظ أن هذا الازدهار الاقتصادي مرتبط أيضا بالتحصيل العلمي والدراسة التي تعد من ضروريات الحياة . وينقسم البعد الاقتصادي إلى قسمين:
أ- الجانب الفلاحي:
أولى الصفار اهتماما كبيرا بتسجيل أهم الحيثيات المتعلقة بالميدان الفلاحي نظرا لما كان يعاني منه المغرب من عجز في المجال الاقتصادي. و الحقيقة التي لاغبار عليها أن اهتمام الصفار بهذا المجال لم يكن اعتباطيا، بل جاء نتيجة حسرته على وضعية اقتصاد بلده الذي كان يفتقد لمقومات الاقتصاد العصري. لذا نجده أولى اهتماما كبيرا بالحديث عن الحياة الاقتصادية الفرنسية التي عايشها وانبهر بها، ومن تم بدأ في مقارنة الفلاحة الفرنسية بنظيرتها المغربية التي تعاني من أوضاع مزرية، جراء تعاقب سنوات الجفاف، إضافة إلى قساوة المناخ الذي تتجلى أخطاره في انحباس الأمطار أو عدم انتظامها، واجتياح جحافل الجراد مما زاد في تعميق معاناة الفلاح المغربي .
وتجدر الإشارة أن البادية المغربية ظلت حبيسة اقتصاد قلة وكفاف فأصبح تحقيق التراكم مطلبا عزيزا وحلما بعيد المنال وما كان يزيد الطين بلة هو افتقاد المخزن لأي طموح استثماري عكس الأوضاع في فرنسا. وقد عبر الصفار عن ذلك قائلا: » فلا ترى عندهم شيئا من الأرض ضائعا أصلا، ولا ترى عندهم خرابا ولا أرضا مواتا، حتى إن الأرض التي ترابها رديء ينقلون لها التراب الجيد من أرض أخرى ويعطون لكل نوع من الأرض ما يستحقه، فما يصلح في الأرض للحرث يحرث، وما يصلح للغرس يغرس، ويفرقون أيضا في الغرس بين ما يصلح في الأرض الحارة والباردة وهكذا (...) وأشجارهم كلها أو جلها مستنبتة ولو كانت في رؤوس الجبال (...) وذلك لأنهم لا يغفلون عن تعاهدها ويعالجونها كل وقت بما تستحقه... وشجرهم لا يتعاظم عندهم كما يكون بالمغرب، بل غالبه يجنيه الإنسان من الأرض وهم يتعمدون ردعه ليعظم حبه ويشتد غصنه(...)ومن جملة قوانينهم التي أسسوها (...) أن أرض فرنسا كلها حرم ولا تنتهك ولا يتعدى أحد على ملك آخر ومن فعل عوقب عقوبة معلومة عندهم لا شفاعة فيها... ولذلك لا تجد عندهم إنسانا ولا دابة هائمة في ملك أحد ولو كانت أرض مرعى فإنها يتصرف فيها ربها لا يشاركه فيها غيره... « .
ومن خلال ما سجله الصفار يمكن أن نخلص أن الفرنسيين لم يهتموا فقط بزراعة الأرض وغرسها بل تجاوزوا ذلك إذ سنوا قوانين لحمايتها والحفاظ على تنظيمها لكي لا يتجرأ أحد على الاعتداء على ملك الآخر، وتجدر الإشارة إلى دور الدولة في تحفيز الفلاح على الإنتاج
عن طريق تقديم جوائز تحفيزية لأحسن إنتاج، بالإضافة إلى دعم الفلاحين الصغار بقروض مالية . ولا يخفى ما لهذه المظاهر من انعكاسات إيجابية على الإنتاج الذي يساهم بدوره في إنعاش اقتصاد البلاد.
ب - الجانب الصناعي والتجاري :
وصف الصفار ما وصلت إليه الصناعة الفرنسية من التطور على مستوى صناعة وسائل النقل البرية كعربات النقل, ثم البحرية كالسفن والمراكب كما أنه من الأهمية بمكان أن نشير إلى ما ذكره الصفار في هذا الشأن » فإذا أرادوا الشروع في المسير حرك الرئيس حركة البابور فيجعله يسير مع ما هو مربوط به سيرا لم يعهد مثله في الإسراع، يكاد أن يساير الطير في الهواء، بحيث قطعنا هذه المسافة في ساعتين ونصف... « .
وقد أبرز الصفار التفاوت الحاصل بين المغرب وفرنسا في المجال الصناعي مركزا على دور الجانب العلمي في إنعاش القطاع الصناعي عن طريق تشجيع الابتكار. حيث أبدى الصفار مدى إعجابه بالتلغراف، كما حاول معرفة دوره في الربط بين المناطق البعيدة والقريبة بأقصى سرعة وبمجهود أقل. وقد أتى على وصفه قائلا: » ومن أعجب ما رأيناه في هذا المحل وأغربه حركة يصل بها الخبر من محل إلى محل في لحظة (...) وبيان ذلك أنهم جعلوا دائرة من صفر مصمتة كوجه المكانة وبسطوها ورشوا في دائرتها الحروف كلها وحركاتها من فتحة وضمة (...) هذه الدائرة مسمرة في كرسي (...) ثم عملوا قبالتها دائرة أخرى فيها الحروف كلها أيضا، ووصلوا بين الدائرتين بخطين... « .
اهتم الصفار كذلك بالتجارة الفرنسية في تفصيل دقيق من خلال ما شاهده في المحلات التجارية الفرنسية من تحديد أثمان السلع وترتيبها المحكم ونظام البيع والشراء إذ يقول في هذا الشأن » وكل حاجة مكتوب عليها ثمنها الذي تباع به فلا يحتاج المشتري مع ذلك الخادم إلى مشاحنة ولا مكايسة، فإذا أراد أخذ شيء منها أتى معه الخادم بحاجته إلى باب الحانوت، وهناك أربعة من الكتاب يعملون الحساب ويقبضون الأثمان (...) ومن حرصهم على نفاذ سلعهم، أن أصحاب السلع يكتبون كواغيط يذكر كل واحد سلعته ويمدحها ويرغب الناس فيها ويذكر محله وثمنها ويلصقون تلك الكواغيط في الحيطان في محل اجتماع الناس ومرورهم... وفي كل محل يقصده الناس« .
أما في ما يتعلق بالمؤسسات التجارية كمؤسسة البنك والبورصة وغيرها وعن دورها في خدمة التاجر الفرنسي يقول الصفار » وأغلب تكسب هؤلاء القوم التجارات والصنائع، ولهم من التجارات أمور خارجة عن البيع والشراء، منها ما يسمى بالبنكة: وهي أن يودع الرجل قدرا من المال عند من هو مختص لذلك، ويدفع له الموادع عند ربحه في كل سنة قدرا معلوما (...) وهي على ضربين بنكة الدولة وبنكة التجار (...) ومنها جمعية تسمى بم معناه الشركاء في الضمانة (...) وذلك بأن تلتزم لمن يدفع لها قدرا معينا من المال كل سنة إذ تلف له بيته أو حانوته أو ما فيهما بحادثة قهرية كالحرق والهدم (...) فإنها تغرم كل ما ضاع
له... « .
5- البعد الاجتماعي:
قدم الصفار وصفا دقيقا للحياة الاجتماعية الفرنسية وبين من خلالها أخلاق الفرنسيين وعاداتهم فيما يتعلق بالأكل وأنواع الأطعمة، وطرقهم في استهلاكها حيث أفرد القول في هذا الصدد أن » من عادة هؤلاء القوم أنهم لايعرفون اقتعاد بسيطة الأرض ولا يجلسون إلا على الشوالي ومن عاداتهم أنهم لا يباشرون الطعام باليد ولا يجتمعون على ماعون اليد فإذا حضر وقت الأكل أتى الخدمة بطبلة من الخشب التي تقبل التصغير والتكبير بحسب الآكلين يفرشون عليها ثوبا أبيض في غاية النظافة يسترها كلها ثم ينزلون لكل واحد ماعونا صغيرا... ثم يصففون على الطبلة أواني الفواكه والحلاوات (...) ولهم في الأطعمة ترتيب معلوم فيقدمون أولا أنواع المطبوخات (...) بأنواع المشويات (...) ثم يختمون بالفواكه والحلاوات« .
اهتم الصفار أيضا بالمرأة بصفة خاصة وذكر مشاركتها في الحياة العامة وعملها إلى جانب الرجل في كافة الميادين ودليلنا في ذلك قوله: » وغالب من يخدم في هذه الصنائع في هذه المدينة وغيرها النساء، فعليهن العمدة في ذلك « . كما أبان عن دورها في الميدان التجاري فضلا عن دورها الأساسي داخل البيت. لكن ما نود شد الانتباه إليه أن الصفار رغم حديثه عن المرأة الفرنسية وعن مشاركتها في الحياة الاجتماعية إلا أنها تظل إشارات عابرة لا تتعمق في دراسة وضعية المرأة الفرنسية آنذاك باعتبارها كانت تعيش الطفرة الاجتماعية، والاقتصادية التي عرفتها فرنسا بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي، بل اكتفى الصفار بوصف المظاهر الخارجية للمرأة فأخذ في وصف جسمها ومفاتنها ودلالها الذي أثر فيه حتى أنشد فيها الشعر قائلا:
أسيلات أبدان رقاق خصورها وثيرات ما التفت عليه المئازر
بالتالي يمكن القول أنه رغم اهتمام الصفار بالمرأة وانخراطها في مختلف المجالات لكنه لم يكشف عن عمق الوضعية الاجتماعية التي كانت تعيشها، بل اقتصر على وصف مظهرها الخارجي.
ومن هذا المنطلق رأى الصفار من خلال هذا البعد الاجتماعي تقدم الآخر الفرنسي في عاداته وتصرفاته وأخلاقه وحتى علاقاته الاجتماعية.
6- البعد العلمي والثقافي:
ارتبط تطور المجال العلمي والثقافي في أوربا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالاهتمام الذي عرفه البحث العلمي والرقي الحضاري، وقد كانت مظاهر التقدم العلمي من أبرزما لفت انتباه الصفار أثناء رحلته حيث يوضح الصفار أنه من العيب عند الفرنسيين أن يكون أحد منهم أميا، إذ كان الفرد عندهم يقاس بمستواه العلمي لا مستواه المادي كما هو الحال بالمغرب مما نتج عنه تفشي الأمية والجهل وهذا ما شكل حافزا لدى الصفار لاكتشاف مميزات الفرنسيين في هذا المجال وذلك واضح من خلال وصفه للمدارس التي زارها كما تحدث عن العلوم التي تدرس داخلها ولا أدل على ذلك قوله: »ذهبنا لمدرسة من مدارس تعليمهم، فيها إحدى عشر مائة وخمس وعشرون متعلما. منهم ستمائة بدورهم يذهبون ويجيئون للتعليم، ومنهم خمسمائة وخمسة وعشرون مقيمون بها. وفيها أربعون معلما وأربعون ناظرا(...) وبيت الطبيب(...) وموضع الاستحمام(...) والكل في غاية النظافة والإتقان. ويتعلم فيها الحساب والهندسة والفلسفة وعلم الفزيك والكيمياء والطبيعيات وكيفية التصوير والتشريح« . كما زار الصفار أيضا مختبر العلوم التجريبية الذي سماه دار الفزك وقال عنه " ذهبنا لدار من ديار تعلمهم يسمونها دار الفزك وهو اسم علم عندهم (...) ومداره على علم معرفة طبائع الأشياء كجذب المغناطيس للحديد وتموج الهواء بالصوت الذي يسير فيه، وفي هذه الدار آلات غريبة وأشكال عجيبة(...) «. ومما أثار استغراب الصفار من علومهم هو كيفية إزالة الملوحة من ماء البحر حتى يصبح ماء عذبا صالحا للشرب وقد سجل في هذا الصدد أن » من أغرب ما وجدنا عندهم فيه أن كانوا يحلون من ماء البحر حتى يصبح عذبا يشرب، وذلك بأن يطلعوه من البحر بحركات ويجعلوه في قدور على فرن وهو يغلى عليه، انظر ما يفعلون به بعد ذلك حتى ينفصل من بزبوز آخر حلو باردا يغني من الماء الحلو« .
ومن مظاهر اهتمام الفرنسيين أيضا بالمجال العلمي اهتمامهم بالمكتبات وخزانات الكتب التي تجدها عند الخاصة والعامة. ومن بين المكتبات التي زارها الصفار وقام بوصفها الخزانة الملكية التي قال عنها » ذهبنا إلى دار لكتب السلطانية أعني خزانتها، وهي دار كبيرة لها أربع طبقات في كل طبقة خمسة أو ستة بيوت كبار عالية جدا. وكل جوانب البيوت من الأرض إلى السقف مملوءة كتبا في خزائن من الخشب(...) وكل هذه الكتب بالتسافير الحمراء الجديدة الجيدة، مرتبة أحسن ترتيب وكل واحد مكتوب اسمه في ظاهر جلدته مما يوالي المواجه له، وكل هذه البيوت في غاية الغاية من النظافة(...) وهذه الكتب التي فيها على كل نوع: منها العربي مغربيه ومشرقيه (...)ومنها العجمي بسائر أجناسه... « .
نخلص مما سبق أن الصفار أظهر مدى حرص الفرنسيين على التعلم واكتساب المعارف والإبداع الذي يساهم في التقدم والرقي مسجلا مدى إعجابه بدور العلم من مدارس ومكتبات .
وبموازاة اهتمام الصفار بالجانب العلمي والتكنولوجي أشار إلى عدة أنشطة فنية وثقافية وترفيهية أثارت إعجابه عند الفرنسيين ألا وهي المسرح الذي نال إعجابه، والذي كان يشاهده لأول مرة . وقد قال في هذا الشأن:» ومن محال فرجتهم المحال المسماة بالتياتروا(...) وهو محل يلعب فيه بمستغربات اللعب ومضحكاته وحكاية ما وقع من حرب أو نادرة أو نحو ذلك. فهو جد في صورة هزل، لأنه قد يكون في ذلك اللعب اعتبار أو تأديب أو أعجوبة أو قضية مخصوصة، ويكتسبون عن ذلك علوما جمة« .
خاتمة:
في ضوء ما سبق يمكن القول أن ما ميز الصفار كونه لم يركز اهتمامه الكبير على تسجيل الأمور العسكرية والدبلوماسية فقط، بل تجاوز ذلك واهتم بالمسائل الاقتصادية والعلمية، واهتم كذلك بالمظاهر الاجتماعية، حيث ركز على تسجيل أنواع الأطعمة وتقرب من مظاهر البذخ ومن كل ما تتميز به الحياة الأوربية، وكل ما أثار استغرابه وإعجابه منها، و الواقع أن الصفار قد انفرد بكونه استطاع أن يتخلص نسبيا من عقلية الفقيه مبديا إعجابه بمجموعة من المظاهر رغم أن بعضها تتنافى مع طبيعة العقلية المسلمة كإعجابه بالمرأة الأوربية، واستمتاعه بالمسرح والفنون معتبرا ذلك نوعا من والوعي.
والجدير بالذكر أن الرحلة لم تكن بالنسبة للصفار مجرد سلسلة من التنقلات والأشياء المثيرة بل تجاوزت ذلك لتكون تجربة حقيقية حاول من خلالها كشف النقاب عن التحولات التي عرفتها الضفة الشمالية، وبعد عودته من فرنسا عاد ليزاول مهامه العدلية ثانية ولإلقاء الدروس في الجامع وأخذ يدون ما شاهده في هذه الرحلة إذ كان مطالبا بتقديم نسخة منها للسلطان، وبعد الإفراغ من هذا العمل دخلت حياة الصفار في مرحلة مليئة بالصعاب خاصة بعد أن زج المولى عبد الرحمان بن هشام بعامل تطوان عبد القادر أشعاش ومن معه في السجن وقد نجى الصفار بعد لجوئه للزاوية الفاسية .
البيبليوغرافيا:
- أم سلمى, صورة الغرب في الرحلة المغربية ( رحلة الصفار نموذجا) , مجلة المنعطف عدد 6-7 .
- بياض، الطيب، المخزن والضريبة والاستعمار، ضريبةالترتيب،1880-1915، افريقيا الشرق
- الخطابي, محمد العربي, مشاهدات دبلوماسي مغربي في فرنسا عام 1845-1846 في عهد المولى عبد الرحمن بن هشام, القسم الأول.
- جزوليت، خليل، مقاومة التدخل الأجنبي بالمغرب عبر التاريخ، مطبعة rabat net maroc، طبعة 2010
- الخطابي, محمد العربي, مشاهدات دبلوماسي مغربي في فرنسا عام 1845-1846 في عهد المولى عبد الرحمن بن هشام, القسم الثاني
- ذاكر, عبد النبي, رحلة الصفار التطواني إلى باريز 1845-1846, سيميائيات المجلة المتوسطية للاشكال الحضارية, العدد 2 / 2009.
- القدوري, عبد المجيد, سفراء مغاربة في أوربا 1610- 1922, المملكة المغربية جامعة محمد الخامس , منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية الرباط سلسلة بحوث ودراسات رقم 13,
- ميلار, سوزان, صدفة اللقاء مع الجديد رحلة الصفار إلى فرنسا 1845-1846, عرب الدراسة وشارك فب التحقيق : جالد ابن الصغير, المملكة المغربية جامعة محمد الخامس منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط سلسلة نصوص وأعمال مترجمة رقم 2 .
بالفرنسية:
-Al adnani, jilali, A pourcet. Université Mohamed V-Agdal, Rabat
沒有留言:
張貼留言
注意:只有此網誌的成員可以留言。